أنس الماجد
مصور فلكي من المملكة العربية السعودية
لابد وأنك شاهدت في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنهر المجرة بسحبها الداكنة الجميلة وألوانها الرائعة وتفاصيلها الخلابة التي تملأ السماء وتساءلت كيف تم التقاط هذه الصور الرائعة. فالانطلاق بمثل هذا المشروع لا يحتاج إلى الكثير من المعدات المعقدة ولا المعلومات العميقة، فمجرد سماء معتمة وكاميرا بسيطة ستعطيك نتائج جيدة ومُرضِية، وعلى الأغلب ستكون خطوتك الأولى في عالم حب السماء ونهر المجرة تحديداً.
في شهر أبريل من كل عام تقترب الأرض من سماء الصيف ويبدأ ذراع مجرتنا درب التبانة بالشروق قبل الفجر بساعات، وتكون هدفاً لهواة التصوير الفلكي AstroPhotograph والتصوير الطبيعي الليلي Night Photography، وفي شهر نوفمبر تكون واضحة بعد غروب الشمس بقليل جهة الغرب، لتنحجب بعدها غير ظاهرة بقية أشهر السنة. ويمكن تحديد موقع الذراع بسهولة عبر الخريطة الكاملة للنجوم في الأشهر المخصصة لها (راجع دليل السماء)، أو باستخدام تطبيقات الجوال Mobile Apps المتعددة لخرائط السماء الليلية. فمركز مجرة درب التبانة والمنطقة المحيطة بها التي تسمى اصطلاحاً نهر المجرةِ Milky Way(الطريق اللبني)، يكون واضحاً كلما ابتعدت عن أضواء المدن. ويمكن رصده من مناطق تكون الإضاءة فيها بمقياس بورتل Bortle scale 7، ولكن التجربة ستكون جداً مثيرة إذا تمكنت من الوصول لمناطق بمقياس بورتل 1-2، إذ تظهر على شكل غيمة كبيرة من النجوم والتي من خلال مشهدها ستعرف لماذا يطلق عليها درب التبانة أو اللبانة نسبة لشكلها الذي يشبه الحليب المسكوب على السماء، يمكنك معرفة مقياس بورتل للمناطق المجاورة لك عبر موقع www.lightpollutionmap.info، سيوفر لك هذا الموقع الكثير من المعلومات حول التلوث الضوئي المحيط بك، وأقرب المناطق الخالية منه حولك.
يعتقد البعض أنه من المفضل يُرصد نهر المجرة بواسطة تليسكوب، ولكن هذا اعتقاد خاطئ، فحجم نهر المجرة في السماء كبير جداً، ولا يتسع لحقل الرؤية Field of view الصغير للتليسكوب. أما تصوير نهر المجرة؛ فيتطلب منك كاميرا وعدسة قصيرة الطول البؤري Focal length وحاملا ثلاثيّاً Tripod. ويفضل أن تكون العدسة ببعد بؤري ما بين 12 مم – 50 مم، ويفضل أن تكون فتحة العدسة f/3.5 أو أكبر. (كلما كانت فتحة العدسة أكبر كان الرقم لها أقل، مثلاً عدسة f/1.4 أكبر من f/3.5)
أما بالنسبة إلى الكاميرا؛ فيفضل أن تكون كاميرا مستشعر الأطار كامل Full Frame، أما لو كان المستشعر أصغر مستشعر القطع Cropped Frame أو مستشعر نظام الصور المتقدم APS-C فيجب الأخذ بالاعتبار أن الطول البؤري للعدسات سيكون أعلى من الرقم الأساسي المكتوب عليها، فمثلا عدسة 24mm على كاميرا بمستشعر القطع تكون بطول بؤري 36mm لأن حقل الرؤية في المستشعر أصغر، ومن ثم يكون الطول البؤري أكبر بما يعادل النسبة نفسها. وطريقة الحساب بسيطة جداً، فقط اضرب 1.5x (أو 1.6x لكاميرات كانون Canon) في الطول البؤري للعدسة لتتمكن من معرفة الطول البؤري المساوي للكاميرا لمستشعر القطع.
إن معرفة الطول البؤري الصحيح مهمةٌ في تصوير نهر المجرة لسببين. أولاً، لمعرفة أبعاد حقل الرؤية إذا كان كافياً لاستيعابها في الصورة، وأيضا لمعرفة الإعدادات الملائمة للتصوير.
من أبرز التحديات في تصوير منطقة نهر المجرة هو انزياح النجوم Stars shift، ويحدث ذلك إذا كانت مدة التعريض Exposure طويلة، فمع دوران الأرض تبدأ النجوم بالانزياح في الصورة فتظهر على شكل خطوط صغيرة بدلا عن نقاط. وهذا ما يحاول المصور تفاديه أثناء التصوير مع مراعاة إظهار تفاصيل الذراع بشكل سليم -من السهل تفادي هذه المشكلة مع الحامل الثلاثي الثابت – وتكون بقسمة 500 (رقم ثابت من اشتقاق المعادلة) على الطول البؤري للعدسة لكاميرتك، فمثلاً إذا كان الطول البؤري يساوي 24، يكون الوقت لطول التعريض دون انزياح النجوم هو 20 ثانية (500/24=20.8).
باستطاعتك تحسين مستوى صورك بالتقاط أكثر من صورة وإضافتها فوق بعض في عملية تعرف بالتكديس Stacking. ولكنها ستحتاج إلى بعض العمل أثناء التصوير، إذ سيتطلب منك الأمر توسيط أحد نجوم السماء في منتصف حقل الرؤية ليسهل تكديس الصور، أو استخدام متتبع للنجوم Tracker يثبت حقل الرؤية في موقع معين بالسماء ويعطيك المجال لتصوير تعريضات بمدة زمنية أطول دون الالتفات لقاعدة الـ 500 لأن كاميرتك تدور مع السماء مع المتتبع.