أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

أبولّو 14

مع اضمحلال دعم برنامج أبولّو كثفت ناسا مساعيها العلمية لدعم بعثة أبولّو 14، كما تقول إيزي بيرسون

د. إيزي بارسن Dr Ezzy Pearson:
محررة الأخبار في مجلة BBC Sky at Night Magazine. حصلت على درجة الدكتوراه في علم الفلك خارج المجري من جامعة كارديف

عندما انطلقت بعثة أبولو 14 (Apollo 14) في 31 يناير 1971، كانت تحمل ثقل برنامج أبولو كله على عاتقها. فقد حفزت كارثة أبولو 13 (Apollo 13) الاهتمام المتضائل للجمهور، ولكن لجميع الأسباب الخاطئة. إذ شكك واضعو السياسة منذ البدء في التكلفة العالية لبرنامج أبولو، وبعد إلغائهم أبولّو 18 و 19 في سبتمبر 1970، أخذوا يتساءلون الآن عن جوانب السلامة. وإذا كان للبعثات المتبقية أن تطير، فلا بد من نجاح أبولّو 14.
كانت تلك مسؤولية جسيمة، وقعت على عاتق الطاقم الأقل خبرة في برنامج أبولو بكامله. كان القائد، آلان شيبرد Alan Shepard، أحد أشهر رواد الفضاء في وكالة ناسا، وكان أول أمريكي يصل إلى الفضاء في عام 1961. ومع ذلك، فقد أمضى الجزء الأكبر من العقد السابق على الأرض بسبب مشكلة في أذنه سببت له الدوار. فقد انضم إليه اثنان من رواد الفضاء المبتدئين طيّار وحدة القيادة ستيوارت روزا Stuart Roosa وطيّار الوحدة القمرية إدغار ميتشل Edgar Mitchell- ولم يسبق لأي منهما التحليق في الفضاء من قبل.
على الرغم من حصولم على إجمالي 15 دقيقة من تجربة التحليق الفضائي، إلا أن برنامج البعثة العلمي كان الأشد كثافة حتى ذلك الزمن. فقد كانت أبولّو 13 تتجه نحو موقع هبوط مهم هو فرا مورو Fra Mauro، وهو تشكيل نشأ بفعل الاصطدام الذي أنتج بحر الأمطار Mare Imbrium. إذ رفع الاصطدام الصخور من أماكن أعمق بكثير إلى السطح، مما قد يسمح للجيولوجيين بتحديد تاريخ تشكل القمر. ومع خطر احتمال إلغاء برنامج أبولو في أي لحظة، فقد أعادت ناسا تخطيط بعثة أبولو 14 لزيارة هذه المنطقة المهمة علمياً.
ومع ذلك، لم يدرك الرائدان اللذان سيسيران على القمر-شيبرد وميتشل- أهمية هذا الموقع. فلم يكن أي منهما عالم جيولوجيا، وعلى الرغم من تلقيهما دورة تدريبية مكثفة في تحديد الصخور، لم يظهر شيبرد قطُّ اهتماماً بالعلوم. وسواء كان السبب هو غروره كشخصية مشهورة أم ضغط قيادة مهمة بعد قضاء عقد من الزمن على الأرض، فإن افتقاره إلى الحماس قد امتد أيضاً إلى ميتشل.
عندما حان يوم الإطلاق، كانت ناسا تأمل ببداية سلسة، إلا أن الطقس السيئ تسبب بالتأخير. فإذا لم تكن السماء صافية أثناء فرصة الإطلاق التي تسنح لأربع ساعات، فربما تأجّل الإطلاق إلى مارس، وسيُترك الصاروخ معرضاً للعوامل الجوية على منصة الإطلاق لمدة شهر. ولكن حسن الحظ، فقد تحسن الطقس بعد 40 دقيقة، وبدأ طاقم أبولّو 14 رحلته إلى القمر.
استغرق الأمر عدة ساعات فقط حتى تسوء الأمور مرة أخرى. عندما حاول روزا استخراج الوحدة القمرية، أنتارِس Antares ووصلها بوحدة القيادة، كيتي هوك Kitty Hawk، استعصى التحام الوحدتين معاً. وإذا لم يستطع وصلهما ببعضهما البعض، فستكون مركبة الهبوط عديمة الفائدة ولن يكون هناك هبوط على القمر. وبعد خمس محاولات فاشلة، لجأ روزا إلى القوة في النهاية، ليتمكن أخيراً من وصلهما ببعض.
لحسن الحظ، لم تتلف هذه المناورة أنتارِس، وحطت مركبة الهبوط بنجاح على سطح القمر في 5 فبراير. وعلى الفور استعد الطاقم لأول نشاط خارج المركبة، مباشرة قبل اكتشافهم خللاً في نظام الاتصالات، ليتطلب ذلك تأخيراً آخر. فهل يا ترى وصلوا إلى هذا الحد ليخفقوا في اللحظة الأخيرة؟ لحسن الحظ، انحلت المشكلة بسرعة، وبعد خمس ساعات ونصف فقط من الهبوط، كان شيبرد وميتشل جاهزين للخروج.
أثناء خروجهما الأول لم يبتعد رائدا الفضاء عن أنتارِس، وبدلاً من ذلك، فقد استغلا الوقت لإنزال معداتهم وإجراء تجارب حول مركبة الهبوط. وفي حين أن الكثير من هذه المعدات كانت عبارة عن أجهزة كشف وقياس الزلازل نفسها المستخدمة في البعثات السابقة، فقد تضمنت إحدى التجارب الجديدة تفجير العشرات من الشحنات “الصاعقة”، والتي التقطت اهتزازاتها أدواتٌ تركت على القمر في عمليات الهبوط السابقة.

تجوالٌ قمري
لكن النشاط خارج المركبة الثاني في اليوم التالي كان أكثر صعوبة. إذ كان يتعين على جواليّ سطح القمر أن يرتقيا إلى مستوى “التجوال” كما هو في مسماهما والارتحال نحو فوهة كون Cone على بعد كيلومتر واحد تقريباً. وكانت هذه الرحلة الأطول في البرنامج حتى الآن، وللمساعدة على نقل المعدات، استخدم الطاقم عربة تسمى وحدة نقل المعدات المعيارية Modular Equipment Transporter، ويعرفها رواد الفضاء بـ“عربة اليد” (ريكشا) Rickshaw.
وسرعان ما وجد الثنائي أن التنقل على سطح القمر كان أصعب بكثير مما توقعه أي منهما. ومع عدم وجود غلاف جوي لتشتيت أشعة الضوء، كان من الصعب التأكد من المسافات، وفي حين أن المعالم التي كانت واضحة على الخرائط صار من الصعب التعرف عليها على السطح.
قال ميتشل وهو على السطح: “يمكنك بالتأكيد أن تنخدع بالمنحدرات هنا، إذ إن زاوية الشمس خادعة جداً”.
وبعد ساعتين، اعتقد الثنائي أنهما على وشك الوصول إلى رأس حافة الفوهة، فقط ليشاهدا حقل الصخور الممتد أمامهما. وسرعان ما أرهق المسير الطويل وجر العربة الثقيلة الرائدين، وكان مركز التحكم على الأرض قلقا من تزايد معدل نبض القلب. ومنح الرائدان 30 دقيقة أخرى للعثور على حافة الفوهة كون قبل الطلب إليهما التوقف وأخذ العينات من الموقع الذي هما فيه والعودة إلى المركبة. واتضح لاحقًا أن الرائدين قد توقفا على بعد 20 متراً فقط من حافة الفوهة.
في هذه الأثناء، في المدار، كان روزا يجري دراسته العلمية الخاصة وهي المرة الأولى التي يطلب فيها إلى طيار وحدة القيادة فعل ذلك. وكان من المفترض أن يصور سطح القمر بكاميرا هايكون الطبوغرافية القمرية Hycon Lunar Topographic Camera، لكن غالق الكاميرا ظل عالقاً، فأتلف ذلك نصف كمية الصور. ولحسن الحظ، فقد تمكن من التقاط بعض الصور بكاميرات هاسيلبلاد Hasselblad التي حملها معظم طواقم أبولو من قبل، بما في ذلك بعض اللقطات لموقع الهبوط المستقبلي لأبولو 16.
أثناء ذلك، وعلى سطح القمر، كان الرائدان قد عادا إلى مركبة الهبوط، ولكن قبل الصعود مباشرة إليها، أخرج شيبرد رأس مضرب غولف من القياس 6 كان قد هربه على المركبة، وثبته بمقبض أداة الحفر القمرية معه ليمارس قليلاً من ضرب الكرة.
قال شيبرد: “ها هي تنطلق، أميالاً وأميالاً وأميالاً”.
لم يتلقَ هذا استحسان الفريق العلمي. فأثناء استعداده لحركة ضرب الكرة، وضع شيبرد جانباً علبة من الصور توثق العديد من عينات الصخور التي جمعاها، ونسي أخذها معه بعد ذلك. فلم تكن فرصة الحصول على العينات من حافة الفوهة كون قد ضاعت على الجيولوجيين فحسب، بل خسروا الآن الوثائق التي ستسمح لهم فعلاً باستخلاص الفائدة العلمية القصوى من العينات التي حصلوا عليها. وتزايد مشاعر سوء الظن عندما أعلن ميتشل، عند عودته إلى الأرض، أنه أجرى تجربة علمية زائفة Pseudoscience experiment، حاول فيها نقل رسائل روحانية إلى الأرض.
وبينما أشارت عناوين الأخبار وكتب التاريخ إلى مهمة أبولو 14 إلى ضربة شيبرد لكرة الغولف، فقد كانت الرحلة باعتقاد الكثيرين في ناسا فرصة ضائعة. وكان يفترض بالرائدين إعادة صخور من القمر، وهذا هو أهم ما في البرنامج كله، وذلك لتذكير الناس بأهمية أبولّو. وبدلاً من ذلك، فقد صار يُنظر إليهما على أنهما سخرا من كل شيء حاولت الوكالة تحقيقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى