التحليق الفضائي البشري
بينما تصبوا أعين ناسا إلى إعادة البشر إلى القمر، يبدو أن الرحلات الفضائية التجارية مُهيأة لتولي زمام رحلات المدار الأرضي المنخفض.
في عام 2021 سيستهل صاروخٌ أكبر وأقوى من أي صاروخ آخر في العالم فصلاً جديداً في رحلات الفضاء المأهولة بالبشر، حيث ستردد أجواء ولاية فلوريدا صدى قوة 39 مليون نيوتن من عزم دفع الصاروخ الجديد. أما منظومة الإطلاق الفضائي الكبيرة Space Launch System (اختصاراً: المنظومة SLS) التابعة لوكالة ناسا، والمزودة بأربعة محركات مكوك فضاء مُحدَّثة، إضافة إلى زوج صواريخ مُعزِّزة تعمل بالوقود الصلب ومكونة من خمسة أجزاء، سيهدر صوتها وهي تنطلق عالياً من منصة الإطلاق 39 بي 39B في مركز كينيدي للفضاء ضمن مشروع آرتميس1- (Artemis-1)، معلنة انطلاق رحلات كبسولة طاقم أورايون Orion إلى القمر. وستكون هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها سفينة صُممت لنقل الأشخاص خليجاً يمتد على طول 384,400 كيلومتر إلى أقرب جار سماوي لنا منذ ما يقرب من نصف قرن. وإذا سارت الأمور على ما يرام، فإن هذا يعني إزالة عقبة أخرى من طريق وكالة ناسا لوضع أقدام بشرية على تربة القمر بحلول عام 2024.
ومع وجود كبسولة الطاقم أورايون بالفعل في فلوريدا، وفي مرحلة متقدمة من الإعداد لرحلتها التي تبلغ مليوني كيلومتر، يتوقف تاريخ الإطلاق على مدى التقدم المحرز نحو استكمال منظومة إس إل إس ذاتها. فقد وصلت صواريخها المعززة إلى مركز كنيدي الفضائي في يونيو 2020، لتنضم إليها لاحقاً المرحلة الأساسية التي تعلو بارتفاع 21 طابقاً، وذلك بعد أن تُستكمل مجموعة طويلة من الاختبارات. ومن ثم ستثبت أجزاء الصواريخ العملاقة هذه على مرحلة دفع مبردة مؤقتة لدفع كبسولة أورايون خارج مدار الأرض، ومنه قدماً إلى القمر. وتعد هذه المنظومة بتغيير قواعد لعبة استكشافنا للفضاء السحيق.
وعلى الرغم من أن عيون العالم ستركز بلا شك على آرتميس1- غير المأهولة، إلّا أن البشر سيواصلون تحليقهم إلى الفضاء في عام 2021. وسيحقق برنامج الطاقم التجاري Commercial Crew Program أخيراً قفزته مع سفينتي ستارلاينر Starliner التابعة لشركة بوينغ Boeing، وكبسولة الطاقم دراغون Dragon من شركة سبيس إكس SpaceX. ومن المتوقع إطلاق ستارلاينر غير مأهولة في أوائل عام 2021، قبل أن ينطلق ثلاثة رواد فضاء من ناسا في رحلة تجريبية إلى محطة الفضاء الدولية. وفي الوقت ذاته، ستساعد كبسولة الطاقم دراغون على تغيير أطقم رواد محطة الفضاء الدولية في فصلي الربيع والصيف، للحفاظ على استمرار وجود سبعة أشخاص على متن المحطة المدارية الكبيرة.
سياحة فضائية… وأفلام
ومع استعداد كبسولة الطاقم دراغون لاستقبال زبائن آخرين، تهدف شركة آكسيوم Axiom للسياحة، ومقرها هيوستن، إلى إطلاق أول رحلة لها في عام 2021. ويضم طاقمها قائداً سابقاً لمحطة الفضاء الدولية، ونجم هوليوود السينمائي توم كروز والمنتج دوغ ليمان لتصوير جزء من فيلم على المحطة. وهناك خطط لإطلاق ثلاث بعثات سويوز روسية، إحداها ستنقل زوجاً من السياح.
كما ستتغير بنية محطة الفضاء الدولية نفسها في العام الجديد، وذلك مع فك وحدة الالتحام بيرس Pirs لرسو المركبات بعد تاريخها الطويل لإفساح المجال أمام مختبر ناوكا Nauka الروسي العلمي الكبير في أبريل 2021. بعد ذلك ستصل “عقدة ربط” Node جديدة تسمى بريشال Prichal في سبتمبر. أضف إلى ذلك عشر شحنات (بما في ذلك أول رحلة للطائرة الفضائية دريم تشيسر Dream Chaser من شركة سييرا نيفادا Sierra Nevada)؛ مما سيجعل هذا من المحطة مكاناً مزدحماً ازدحاما استثنائيا.
كما أن شركة سبيس إكس قد وصلت إلى منتصف برنامج اختبار مكثف لمركبة ستارشيب Starship في منشأة بوكا تشيكا Boca Chica بولاية تكساس، وهذه المركبة هي مركبة إطلاق من الجيل التالي اختارتها وكالة ناسا في أبريل 2020 كمركبة مرشحة لإعادة البشر إلى القمر. ويبلغ ارتفاعها 120 متراً، ووزنها 5,000,000 كغم. هذا، وكانت اختبارات نماذج مصغرة من مركبة ستارشيب قد بدأت أبريل 2019، وبلغت المركبة ارتفاعات تصل إلى 150 متراً. ولا تزال خطط الوصول إلى ارتفاعات أعلى تدريجياً قيد التنفيذ، وقد تنقل ستارشيب أولى حمولاتها التجارية إلى الفضاء في عام 2021.
أما الصين، فبعد أن أرسلت بالفعل رجالاً ونساء إلى المدار بقدراتها الوطنية، فهي تخطط الآن لبناء محطة فضاء كبيرة، وستطلق “نواتها” وحدة السكن تيانهي Tianhe بطولها البالغ 19 متراً على صاروخ لونغ مارش 5 Long March 5 المعزز في عام 2021. وفي شكلها النهائي سيكون حجمها خُمْس حجم محطة الفضاء الدولية، مع زوج من المختبرات العلمية بطول 15 متراً وألواح شمسية مولدة للطاقة. كما تستعد الهند أيضاً لإطلاق رحلتين غير مأهولتين لمركبتها الفضائية غاغانيان Gaganyaan التي يمكنها نقل ثلاثة أشخاص. وإذا كان العمل قد توقف بسبب الانتشار المطرد لجائحة كوفيد19-، إلا أن الدولة الجنوب آسيوية هذه لا تزال تأمل بإرسال روادها الأوائل إلى الفضاء في وقت قريب لا يتعدى ديسمبر 2021.
وبعد 60 عاماً من رحلة يوري غاغارين الرائدة، تخطط شركة فيرجن غالاكتيك Virgin Galactic لإطلاق رحلاتها الأولى للركاب إلى حافة الفضاء. وبالفعل، فقد تجاوزت مركباتها سبيس شيب تو SpaceShipTwo ارتفاع 80 كم بنجاح في ديسمبر 2018، وفبراير 2019، مما ضمن لأطقمها الحصول على صفة رواد فضاء في خضم ذلك. وقد عينت طيارين تجريبيين جديدين مؤخراً، لتزيد عدد طاقم الطيران التابع للشركة لأداء أعباء سلسلة مكثفة من الرحلات مدفوعة الأجر في عام 2021. إضافة إلى طياريها المؤهلين، يمكن لكل رحلة منها نقل ما يصل إلى ستة ركاب.