أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

أكبر 10 مذنبات في العصر الحديث

قد نكون الآن في منتصف فترة انتظار طويلة للمذنب الكبير القادم، وهي حال خبرها فلكيو الأزمنة السابقة أيضاً، كما اكتشف نيل نورمان.

سيشهد هذا العام ظهور مذنب واحد فقط بسطوع يفوق القدر +8.0 هو مذنب C/2017 T2 PanSTARRS ما لم يكتشف مذنب من الآن وحتى ديسمبر. وللأسف، نحن الآن في فترة شحيحة بالمذنبات الساطعة. وهذا ما يطرح السؤال المؤلم: “لِمَ لَمْ تعد معظم مذنبات اليوم مثل التي ظهرت في الأيام القديمة السخية؟”. فقد كانت تلك المذنبات من السطوع بدرجة تكفي لرؤيتها بالعين المجردة أو المناظير المزدوجة، وربما حتى في وضح النهار.

قد يغفر لك هذا التساؤل، وذلك لأن الكتب والمقالات الكثيرة حول هذا الموضوع غالباً ما تُقرن بصور ورسوم توضيحية لمذنبات رائعة برقت عبر السماء في عصور ماضية، بذيول ضخمة تمتد من الأفق إلى الأفق، أو مذنبات شوهدت في وضح النهار. وإذا ألقيت نظرة فاحصة على كتب التاريخ التي يعود تاريخها إلى أكثر من 1000 عام تقريباً، فستجد أنه كان هناك 32 ظهوراً لمذنبات سطعت بنحو استثنائي، مثّل مذنب هالي Comet Halley أربعاً منها. ومنذ عام 1800 ظهر ما لا يقل عن 20 مذنباً يمكن وصفها بالكبيرة، وهذا رقم جيد في الواقع، وهو يظهر أننا لسنا في وضع أسوأ حاليا من هواة الفلك في الماضي. فإدراكنا للوقت قد ضغط الوقت الفاصل بين ظهور المذنبات في الماضي البعيد وجمعها معًا، وباعد ما بين مذنبات الماضي القريب.

نعلم أنه في أي وقت، توجد هناك عشرات المذنبات متفاوتة السطوع في السماء، يحتاج معظمها إلى تلسكوبات كبيرة ليُرى. فما الذي يجعل أحدها مذنباً ‘عظيماً’؟ أولاً، تأتي نقطة مدار المذنب في مقدمة مجموعة المعايير اللازمة لظهور تاريخي له. يجب على مدار Orbit المذنب العظيم حول نجمنا أن يمر قريباً من الأرض أو الشمس على التوالي. ثانياً، يجب أن تكون للمذنب العظيم نواة Nucleus كبيرة: كلما كانت نواته أكبر، كان ذلك أفضل في الواقع، لأن ذلك سيمنح فرصة حدوث نشاط لجزء كبير من سطحها. ثالثاً، ظاهرة للرؤية Visibility: يمكن للمذنبات التي تعبر قريباً من الأرض أن تكون ساطعة، لكن عبورها سيكون سريعاً ولن تدوم أكثر من أيام قليلة فقط في أفضل الأحوال. أما المذنب الأبعد مسافة عن الأرض، فسيبقى في السماء فترة أطول ويتيح وقتاً كافيا لمراقبة متواصلة. رابعاً وأخيراً، لكي يكون المذنب عظيماً، يجب أن تكون له تركيبة كثيرة الغبار Dusty composition: فكثرة الغبار هي شرط ظهور ذيل طويل مرئي وهذه سمة أساسية للمذنبات العظيمة.

يسرد الجدول أعلاه 10 مذنبات كانت هي الأكثر سطوعاً في السنوات الـ 162 الماضية، وبعدها عن الأرض عندما كانت بأشد سطوع Brightest لها، ومسافة حضيضها Perihelion distance، وقدر سطوعها المطلق Absolute magnitude (القدر المرئي على مسافة وحدة فلكية واحدة AU من الأرض والشمس)، وأسطع قدر رصدت به، وأخيراً، أقصى طول لذيولها.

والآن، بعد أن صارت لدينا قائمة بأكثر المذنبات سطوعاً، يمكننا استكشاف أسباب ‘عظمة’ كل منها، مقارنة بآلاف المذنبات الأخرى التي اقتحمت المنطقة الداخلية في المجموعة الشمسية.

مشهد مثير للاعجاب

وصف الكثيرون المذنب دوناتي Comet Donati بأنه أجمل مذنب شوهد على الإطلاق. ومن المؤكد أنه ترك انطباعاً في عالم الفن، فظهر بكامل مجده في العديد من اللوحات. ويقال إنه حتى أبراهام لنكولن Abraham Lincoln جلس أمام نافذته يتأمله. يفي دوناتي بمعاييرنا السابقة بسهولة: إذ تخبرنا لمحة سريعة أن المذنب كان قريباً من الأرض عند حضيضه، ونتيجة لذلك، كانت لدينا استفادة كاملة من هذا اللقاء. وكان المذنب أيضاً مذنباً كثير الغبار جداً، أنتج ذيلًا قوسياً بطول º50 تقريباً.

كما كان مذنب سبتمبر العظيم Great September Comet واحدًا من أبرز أعضاء عائلة مذنبات Kreutz (انظر: الإطار). وبلغ سطوع المذنب عند نقطة حضيضه سطوع 17.0- mag.، عندما مر على مسافة 480 ألف كم فقط من سطح الشمس، وكان مرئياً في وضح النهار. بدت ذؤابة المذنب طويلة في 30 سبتمبر وشوهد فرعان لها. وبحلول 17 أكتوبر رصدت خمسة أطراف له. وقد ظل المذنب مرئياً إلى 1 يونيو 1883 حتى بعد تعرض نواته للكثير من التفكك عند نقطة الحضيض. وأدى الاضطراب اللاحق للنواة بعد اجتياز مسافة الحضيض إلى إطلاق كمية كبيرة من الغبار عززت مظهر الذيل. ولا بد أن حجم النواة كان كبيراً إلى حد ما ربما بقطر يصل إلى عدة كيلومترات ليضمن هذا، إلى جانب عبوره الحضيضي القريب جداً، مكانة هذا المذنب في سجل المذنبات العظيمة.

سطع المذنب النهار Daylight Comet في عام 1910 بسرعة كبيرة عندما اقترب من الشمس. وقد اكتشفه العديد من علماء الفلك من نصف الكرة الجنوبي في 12 يناير عندما سطع بقدر 1.0- mag.. وصل المذنب إلى نقطة حضيضه في 17 يناير، وكان مرئياً في وضح النهار بسطوع قدره 5.0- mag.. وبعد عبوره نقطة الحضيض انخفض سطوعه بسرعة مع عبوره إلى سماء النصف الشمالي من الأرض. ولكن ذيله المغبر الرائع عوّض عن نقص سطوعه، فامتد بطول º50 في أول فبراير. وفي ظروف عادية لم يكن هذا الجسم مذنباً عظيماً، ولم يكن قدر سطوعه المطلق كافياً، ولم يكن شديد القرب من الأرض. ومع ذلك، فإن صفات مسار حضيضه القريب وبنيته الغنية بالغبار قلبت المشهد لصالحه. أما مداره الطويل، فهو تعني أنه لن يعود قبل نحو 57 ألف سنة.

ظهور تلفزيوني 

في 8 نوفمبر 1956 اكتشف المذنب آرند-رولاند Comet Arend-Roland على ألواح تصوير فوتوغرافي Photographic plates بسطوع قدره +10.0 mag.. وأشارت حسابات مداره إلى أن الحضيض كان في 8 إبريل 1957. ومع بدء الشهر الرابع من عام 1957 بدأ نشاط العمليات الدينامية في ذيل المذنب. وفي 29 إبريل ذكرت تقارير رصد مشاهدةَ ذيلٍ بطول º15، وتفرعات ذيلية، وحتى 3 إشعاعات Beams في 29 أبريل. واشتهر المذنب C/1956 R1 بمظهره الشبيه بالسهم بسبب شكل ذيله الغريب، أو ضديد الذيل Antitail، الذي ذكرته تقارير الرصد أول مرة في 22 إبريل، بطول °5. وفي 25 أبريل بلغ طوله °12. ولكنه اختفى تماماً في 29 إبريل. ومن الجدير ذكره أيضاً أن مذنب آرند-رولاند أصبح موضوع أول حلقة من برنامج Sky at Night في 24 إبريل . ومقارنة ببقية المذنبات، فقد حقق هذا المذنب مروراً متوسط المسافة فقط من الأرض، وكانت ميزته الخاصة هي حضيضه القريب وبنيته كثيرة الغبار. ونظراً لطبيعة مداره على شكل القطع الزائد Hyperbolic orbit فإن مذنب آرند-رولاند في النهاية سيخرج من المجموعة الشمسية دون عودة.

اكتُشف المذنب إيكيا سيكي Comet Ikeya-Seki في 18 سبتمبر، 1965، قبل شهر تقريباً من بلوغه نقطة حضيضه. واتضح أن نقطة حضيضه ستقترب كثيراً من الشمس في 21 أكتوبر، وأنه كان، في الواقع، عضواً من عائلة مذنبات كرويتز Kreutz. وفي يوم حضيضه، عبر المذنب من على بعد 450 ألف كيلومتر فقط من الشمس، وقد رصد على نطاق واسع في وضح النهار في معظم أنحاء العالم بسطوع قدره 10.0- mag..

ومن المثير للاهتمام أن المذنب شوهد وهو يتشظى قبل وصوله نقطة حضيضه مباشرة إلى 3 قطع على الأقل تماماً كما فعل توأمه في عام 1882. ولا بد أن قطر نواته كان عدة كيلومترات في أفضل حالاته، كما يوحي قدر سطوعه المطلق Absolute magnitude. ولكونه أحد أفراد عائلة كرويتز، فقد كانت طبيعة بنيته كثيرة الغبار جداً، وكان عبوره القريب من الشمس يعني أن سطوعه Brightness سيكون شديدا. أما شظاياه، فتتراوح دوراتها المدارية الآن بين 876 و1060 سنة.

زوج من المذنبات في عقد من الزمن 

اكتشف المذنب بينيت Comet Bennett في 28 ديسمبر، 1969، وكان الأول ظهوراً من مذنبين عظيمين في سبعينات القرن العشرين. وفي فبراير بلغ سطوعه 3.0+ mag.، واستطال ذيله الغباري ليبلغ °12، وأظهرت ذؤابته Coma نفاثات خافتة قصيرة في هذا الوقت. ومع اقترابه من نقطة حضيضه في 20 مارس، ازداد سطوعه أكثر ليبلغ 0.0 mag.. بعد ذلك، أخذ يبتعد عن الأرض والشمس على التوالي، مع تواصل رصده بالتلسكوبات حتى فبراير، 1971. وكان بينيت مذنبا غباريا آخر بنواة نشطة ضمنت له ‘عظمته’. وبلغت مدة دورته المدارية نحو 1678 سنة، مما يعني أنه لا بد وقد ظهر في فترة العصور المظلمة، في عام 292 ميلادي تقريباً. ولكن عمليات البحث لم تظهر إشارة عن هذه العودة التاريخية.

اكتشف مذنب وست Comet West على لوحة تصوير في 10 أغسطس 1975، ليكون هو المذنب العظيم لعام 1976. عندما وصل إلى نقطة حضيضه في 26 فبراير، على مسافة °6.4 درجة فقط من الشمس، بلغ سطوعه 3.0 mag، وفي الفترة بين 25 ـــ27 فبراير كان يرى في وضح النهار. كما تشظى هذا المذنب أيضاً إلى قطعتين في 18 مارس. وقد فاتت فرصة مشاهدته كثيراً من الراصدين لأنه كان يرى فقط في وقت ما قبل الفجر، وأيضاً بسبب إهمال الإعلام له بعد عدم ظهور مذنب سابق هو كوهوتك Comet Kohoutek بحسب التوقعات قبل نحو ثلاث سنوات (انظر: الإطار). أما أولئك الذين رصدوه، فقد شاهدوا ذيلاً طويلاً وعريضاً بالغ الجمال. وكان المذنب وست غنياً جداً بالغبار، وعبر أيضاً من على مسافة حضيض منخفضة، ضمنت وجوده في قائمة المذنبات العظيمة. ومع مسافة أوج هائلة، حُسبت بقدر 70 ألف وحدة فلكية ما يعادل 1.1 سنة ضوئية تقريباً فإن هذه الدورة المدارية الهائلة تعني أنه لن يرى مرة أخرى قبل نحو 558 ألف سنة.

مقابلة مختصرة 

لم يصل المذنب ياكوتاكي Hyakutake إلى العظمة إلا بعد وقت قصير من اكتشافه في 30 يناير 1996، بسطوع شاحب قدره 11.0+ mag.، على مسافة 2 وحدة فلكية من الشمس. ولكن الإثارة ازدادت عندما أشارت الحسابات المدارية إلى عبوره بالقرب من الأرض على مسافة قدرها 0.1 وحدة فلكية فقط في أواخر مارس 1996، وأنه سيكون مرئياً في أعالي السماء المعتمة في نصف الكرة الشمالي. وظل المذنب بسطوع متوسط القدر حتى منتصف مارس، عندما بلغ 4.0+ mag. ومع اقتراب موعد دنوه الأقرب من الأرض، فقد أخذ يسطع بسرعة، وفي 25 مارس، بلغ سطوعه 0.0 mag.، وبذيل يزيد طوله على °80. وكان هذا هو الذيل الأيوني Ion tail للمذنب ياكوتاكي؛ إذ لم يتشكل ذيله الغباري حتى وصوله إلى نقطة حضيضه في 1 مايو 1996. وقد جرى التأكد من وجود نواة للمذنب بقطر 4.2 كم. وفيما عدا مسافته القريبة من الأرض، فقد كانت خصائصه الأخرى عادية نسبياً. ولو أنه عبر من مسافة وحدة فلكية واحدة من الأرض، لكانت رؤيته بالمنظار المزدوج تكاد تكون ممكنة.

أما مذنب هيل-بوب Comet Hale-Bopp فقد جسّد ‘عظمة’ حقيقية في العصور الحديثة، بعد اكتشافه بين مداري المشتري وزحل في 23 يوليو 1995، بسطوع قدره 10.0+ mag.. ومع فسحة زمنية كافية لوصوله إلى نقطة حضيضه بعد 21 شهراً تقريباً، فقد سجّل هواة الفلك باكتشافه المبكر رقماً قياسياً مازال صامداً حتى الآن. لاحقاً، أمكن تحديد مذنب

هيل-بوب على صور سابقة لتاريخ اكتشافه، تعود إلى عام 1993، وأظهرت أن المذنب كان نشطاً على مسافة 13 وحدة فلكية من الشمس، وهي مسافة يكون عندها معظم المذنبات ما يزال خامداً. وفي مايو 1996 صار المذنب واضحاً للعين المجردة، وظل كذلك حتى ديسمبر 1997، أي بمدة 569 يوماً مثيرة للإعجاب، أو 18 شهراً تقريباً وهو رقم قياسي آخر يحمله هذا المذنب. وكان حجم هيل-بوب هائلاً، بنواة يتراوح قطرها بين 60 80 كم. ولو أنه عبر قرب الأرض من مسافة مثل مسافة مذنب ياكوتاكي، لكان قد حصل على لقب ‘مذنب الألفية’ دون شك.

زائر النهار

اكتشف أحدث مذنب في قائمة مذنباتنا العظيمة المذنب ماكنوت Comet McNaught في صور كاميرا CCD في 7 أغسطس 2006 عندما سطع شاحباً إلى حد ما بقدر +17.0. وفي وقت بلوغه الاقتران الشمسي في ديسمبر ازداد سطوعه إلى قدر +9.0 فقط. ولكن عندما شوهد مرة أخرى في يناير 2007 فقد بلغ درجة الرؤية بالعين المجردة بسطوع قدره 2.5+ mag.، وصارت رؤيته ممكنه عند ارتفاع منخفض في سماء نصف الكرة الشمالي وقت الغسق. وصل المذنب إلى نقطة حضيضه في يوم 12 يناير، على مسافة 0.17 وحدة فلكية فقط، وازداد سطوعه إلى 5.5- mag.، ليجعله مرئياً في سماء النهار على مسافة º7 جنوب شرق الشمس. ووصل إلى أدنى قرب له من الأرض في 15 يناير، على مسافة كبيرة نسبياً تبلغ 0.82 وحدة فلكية. وبعد اجتيازه نقطة الحضيض، ظهر له ذيل غباري منحن رائع أظهر أشرطة وخطوطاً متوازية على امتداد طوله البالغ º35. وقد مثّل هذا حالة أخرى لمذنب صار ‘عظيما’ بسبب اقترابه الحضيضي الكبير وبنيته الغبارية الكثيفة. أما دورته المدارية، فقد قدرت في البداية بـ 6.5 مليون سنة، لكنها خفضت الآن إلى 93 ألف سنة.

لقد عرفنا بعض المذنبات الخاصة جداً على مدار 160 عاماً تقريباً. ولكن باعتبار معايير العظمة الخالصة، فسيكون هناك فائز حقيقي واحد فقط، هو المذنب هيل-بوب C/1995 O1 Hale-Bopp. ومن المؤسف أنه لن يعود إلينا مرة أخرى قبل نحو 2500 سنة. ومع انتظارنا عودته، سيكون هناك الكثير غيره ليكتشفه هواة الفلك الذين يراقبون السماء. ومن يعلم، فقد يحمل المذنب القادم اسمك أنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى