أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

أوروبـــــــا في الفضاء: الـــمــضـــي قـــدمــاً

صممت وكالة الفضاء الأوروبية ESA مركبتها الفضائية أورايون Orion لتنقل روادها إلى محطة ناسا القمرية لونار غيت واي Lunar Gatewayــوأبعد منها.

إليزابيث بارسن تُلقي نظرة على خطط وكالة الفضاء الأوروبية ESA للعقد المقبل

في أواخر شهر نوفمبر 2019 اجتمع وزراء العلوم والمالية من جميع الدول الأوروبية في إشبيلية Seville، اسبانيا، وفي ذهنهم موضوع واحد فقط وكالة الفضاء الأوروبية The European Space Agency (اختصاراً:ESA، إيسا). وتستضيف الوكالة، مرة كل ثلاث سنوات، أحد هذه الاجتماعات على المستوى الوزاري ويحضرها مسؤولون حكوميون من جميع الدول الـ 22 الأعضاء لبحث توجه أعمال الوكالة وخططها، والنقطة الأهم في اجتماعهم هي تسليم أموالهم إلى الوكالة.

أطلق على هذا الاجتماع اسم فضاء +19 (Space19+)، وعرضت الوكالة إيسا فيه بعض خططها الطموحة أمام الدول الأعضاء، وتقدمت بطلب تمويل بطموحٍ مساوٍ لما تأمل بتحقيقه. فطلبت الوكالة موازنة تعادل 14.5 بليون يورو تقريباً لتمويل مشاريعها في السنوات الثلاث القادمة، وهذه الموازنة هي الأعلى لها على مدى 25 سنة. ومع تقديم عدة دول دعماً مالياً تجاوز المبلغ المطلوب بما فيها المملكة المتحدة -التي زادت مساهمتها للوكالة بنسبة %15 لتصل بتعهدها إلى 374 مليون جنيه إسترليني في العام- فقد حققت الوكالة هدفها بسهولة، وهو ما يعني تمويل جميع بعثاتها المخطط لها.

تدرك الوكالة إيسا أهمية هذه الاجتماعات، لأنها تمنحها الضمانة التي تحتاج إليها لرسم خطط عملها طويلة الأمد، ولتدرك بذلك أنها ستكون قادرة على المضي قدماً بمهامها وبعثاتها الفضائية ليس في الوقت الحالي فقط، بل عبر السنوات والعقود المطلوبة لإنجازها.

إحدى أهم وأكبر بعثات الوكالة هي بعثة كوبرنيكس Copericus، وهي حملة لرصد الأرض تديرها الوكالة بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي EU، وقد حصلت على ثلث التمويل، وتلقت بالفعل مبلغ 400 مليون يورو فوق المطلوب.

يقول جوزف آشباخر Josef Aschbacher مدير برامج رصد الأرض في الوكالة: «بمهام مثل بعثة كوبرنيكس وغيرها من الأقمار الاصطناعية الأخرى، تأخذ أوروبا دوراً قيادياً عالمياً في عمليات رصد الأرض. الهدف هو مراقبة نظام كوكب الأرض ككل، بحيث يمكننا تقديم معلومات عن كيفية المحافظة على كوكبنا وخفض الأضرار التي نلحقها به إلى أقل حد ممكن».

يضم المشروع عدة أقمار اصطناعية تراقب كوكبنا، لكن الوكالة تريد إطلاق ستة أخرى في العقد المقبل. وستقيس هذه الأقمار مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتوزيع الحرارة، والغطاء النباتي، ومستويات جليد القطب الشمالي، وأيضاً مستويات الرطوبة في جميع أنحاء الكوكب.

يقول آشباخر: «لدى أوروبا أجندة مناخية وخضراء. إننا نساعد السياسيين على اتخاذ أفضل القرارات السياسية لتقليل تأثيرنا السلبي على كوكبنا».

بينما تأخذ أوروبا دوراً قيادياً في معالجة أزمة المناخ، نراها تأخذ أيضاً دوراً داعماً في مجالات أخرى. وعندما يتصل الأمر بشؤون التحليق البشري في الفضاء، لا تستطيع الوكالة إيسا منافسة مع وكالات أخرى مثل ناسا الأمريكية التي تنفق على مهماتها الفضائية في شهر واحد أكثر مما تنفقه الوكالة إيسا في سنة كاملة. وبدلاً من هذا، تعمل الوكالة مع دول أخرى لنقل روادها إلى الفضاء، وهي تحرص على التوسع في هذا الدور.

الوصول إلى مدار حول القمر

من بين المجالات الرئيسة التي ترغب إيسا بالمشاركة فيها هي خطة ناسا لبناء محطة القمر المدارية، التي تعرف بالبوابة القمرية Lunar Gateway (لونار غيت واي)، وهي محطة دائمة في مدار حول القمر. و إيسا تشارك بالفعل في المشروع، إذ تُصنِّع وحدات الخدمة Service modules لمركبة الفضاء أورايون Orion التي ستنقل رواد الفضاء إلى محطة لونار غيت واي. ولكن الوكالة عقدت اتفاق مقايضة مع ناسا، توفر بموجبه هذه المعدات مقابل نقل رواد فضاء أوروبيين إلى محطة الفضاء الدولية International Space Station (اختصاراً: ISS).

ويقول ديفيد باركر David Parker، مدير عمليات الاستكشاف البشرية والروبوتية: «كنا نُصنِّع المعدات ونسلمها إلى ناسا فقط، حتى عقد هذا الاجتماع الوزاري. ولم تكن لدينا حقوق بإستخدامها. الآن لدينا خطة لصنع عناصر لمحطة لونار غيت واي، وفي المقابل سنحصل على فرصة نقل رواد فضاء وكالتنا إليها. وهذه خطوتنا الأولى لاستكشاف الفضاء البعيد».

ستبني الوكالة إيسا مركزاً لإعادة التزود بالوقود على المحطة، حيث ستتمكن المركبات الفضائية -سواء في رحلتها للهبوط على سطح القمر أم العودة إلى الأرض- ومنظومات الدفع فيها من تعويض مخزونها من الطاقة. وقد خطط لهذا أن ينجز بحلول عام 2027. كما ستعمل الوكالة أيضاً مع وكالة الفضاء اليابانية The Japanese space agency(اختصاراً: JAXA، جاكسا)، لبناء وحدة معيشة الرواد، وإرسالها إلى محطة لونار غيت واي في عام 2025.

في أثناء ذلك، ستستمر إيسا بإرسال روادها إلى المحطة ISS، ليتعلموا كيف يحيا الرواد وكيف يعملون في الفضاء.

يقول باركر: «خطتنا هي إرسال بعثات بشرية إلى محطة الفضاء الدولية يشارك فيها جميع روادنا، بمن فيهم الرائد تيم بيك Tim Peake من المملكة المتحدة، بحلول عام 2024، وهو العام المتوقع حالياً لإنهاء عملها في المدار. إلا أننا نتوقع استمرار عملها إلى ما هو أبعد من ذلك، ولذا فنحن نستثمر بتحديث وتطوير مختبر كولومبس Columbus الأوروبي».

كما ستعمل الوكالة إيسا مع ناسا على مشروع آخر طويل الأمد: هو استعادة عينات من سطح كوكب المريخ. وفي شهر يوليو المقبل، تخطط ناسا لإرسال مركبة المريخ 2020 الجوالة Mars 2020 Rover إلى الكوكب الأحمر لجمع عينات من تربته. وستغلف العينات في أنابيب خاصة وستتركها في مكانها على سطح المريخ كي تلتقطها بعثة أخرى مستقبلية، ستكون الوكالة إيسا طرفاً فيها.

ويقول باركر: «سنبني مركبة جوالة إحضار عينات Fetch Rover. لن تحمل هذه أي معدات علمية على متنها، لكنها ستكون عربة قيادة وتجوال ذاتية القيادة متطورة جداً».

ستطوف المركبة الجوالة على سطح المريخ لجمع أنابيب العينات قبل عودتها إلى محطتها، حيث ستلتقطها ذراع آلية أوروبية الصنع وتضعها في صاروخ صغير يطلق هذه الحمولة المريخية إلى المدار.

يقول باركر: «بعد عمل كل هذا، ستكون هناك مرحلة من المهام الفضائية لنقل الحمولة إلى الأرض. إذ تُقذف حاوية العينات إلى مدار حول المريخ، لكسر سلسلة التلوث Chain of contamination ما بين خارج مركبة الهبوط والمركبات الجوالة وعربة مغادرة المريخ. يمكننا بعد ذلك التقاط حاوية العينات بمركبة عودة مدارية».

وستكون مركبة العودة المدارية من صنع الوكالة إيسا، وبهذه الطريقة ستكون عملية جمع العينات وإعادتها إلى الأرض.

وعند وصولها سالمة، سترسل العينات الصخرية المريخية إلى مختبرات رائدة حول العالم لدراستها.

يقول باركر: «تمثل هذه المشاركة التزاماً مالياً أوروبياً بالبعثة قدره نحو 1.5 بليون يورو، وافق هذا الإجتماع الوزاري على أول ثلث منه».

اصطدام بكويكب

إضافة إلى هذه البعثات بعيدة الأجل، تُعد الوكالة إيسا عدة بعثات علمية أخرى مستقلة. وإحدى هذه البعثات ستكون بعثة مشتركة مع الوكالة ناسا، هي بعثة هيرا Hera mission التي ستدرس عملية حرف مسار صخرة فضائية تمثل خطراً قاتلاً للحضارة البشرية في وقت ما من المستقبل. ستبدأ ناسا المشروع بصدم مركبة فضائية، تعرف بـ DART، بقمر الكويكب ديديموس Didymos. ستراقب المراصد الأرضية كيف تؤثر عملية الاصطدام في مدار القمر المستهدف. وفي وقت لاحق من عام 2024، سترسل الوكالة إيسا مركبة هيرا لتلقي نظرة عن قرب على ذلك القمر. اقتضت الخطة الأولية هي وصول البعثة الأوروبية قبل المركبة DART، لكن كان لا بد من تقليص مهمات المشروع بعد أن أخفقت خطته في تأمين التمويل اللازم له في آخر اجتماع وزاري في عام 2016.

إضافة إلى ما سبق، تعد الوكالة إيسا أيضاً بعثتين لإلقاء نظرة في الكون البعيد خارج حدود المجموعة الشمسية. تمثل البعثتان جزءاً من مبادرة حالية للوكالة باسم ‘رؤية كونية’ Cosmic Vision تهدف لاستكشاف جميع خصائص الكون في جوارنا استكشافا علميا.

أما بعثة تلسكوب أثينا الذي يرصد الأشعة السينية (Athena X-ray telescope)، فقد تقرر إطلاقها في عام 2031. نعلم أن الأشعة السينية تصدر فقط عن الأجسام الكونية شديدة الحرارة. سيتمكن تلسكوب أثينا من رصد سحب الغازات الحارة التي يعتقد أنها تحتوي على معظم المادة العادية Ordinary matter. هذه الغازات المعروفة بالوسط مابين المجرات Intergalactic medium تنتقل ما بين المجرات. وستكون إحدى مهمات تلسكوب أثينا رسم خريطة لهذه الغازات. كما ستنظر أيضاً في داخل المجرات، باحثاً عن الغازات الحارة التي تدور حول الثقوب السوداء فائقة الكتلة.

وفي عمليتي البحث هاتين، سينظر تلسكوب أثينا بعيداً في أعماق الكون. وهذه الأجسام هي شديدة البعد عنا لدرجة أننا نرى الآن فقط ضوءها الذي أطلقته قبل بلايين السنين عندما كانت في مراحل تشكلها، ليعطينا بذلك نافذة تطل على تلك العصور الأولية من مراحل تطور الكون.

وأخيراً، فقد منح الاجتماع الوزاري المال لتطوير مرصد آخر هو الهوائي الفضائي التداخلي الليزري (اختصاراً: المرصد ليزا LISA) وإطلاقه في عام 2034. تهدف هذه البعثة إلى بناء كاشف موجات الجاذبية (الثقالة) Gravitational wave detector يتكون من ثلاث مركبات فضاء منفصلة تحلق بتشكيل معين وتفصلها مسافة 2.5 مليون كم عن بعضها. وسيبحث المرصد ليزا عن موجات جاذبية عابرة بإستخدام أجهزة أشعة الليزر لقياس المسافة بين هذه المِجسَّات Probes الثلاثة بدرجة عالية من الدقة. وعندما تعبر موجة جاذبية بينها، ستؤدي إلى تغيير المسافة بقدر ضئيل، لكن يمكن قياسه، ليسمح هذا لعلماء الفلك بمعرفة عبور موجة جاذبية عندها.

سيكون عمل مرصد ليزا الفضائي هو نفس ما قامت به المراصد الأرضية الرئيسة لاكتشاف أول موجة جاذبية في عام 2015، لكن وجود المرصد ليزا في الفضاء سيعني التحرر من الاهتزازات الزلزالية الأرضية التي تشوش نتائج الكاشفات الأرضية. سيعني هذا أيضاً أن ليزا سيكون حساساً لالتقاط موجات أصغر بكثير، مثل تلك التي تحدثها اصطدامات ثقوب سوداء صغيرة ومتوسطة الكتلة، أو تلك الموجات التي انطلقت في الفضاء منذ بلايين السنين.

وبينما لا تزال هذه البعثات على بعد سنوات من التحقق، إلا أن الاجتماع الوزاري أظهر أن أوروبا لديها التزام قوي، عبر وكالتها الفضائية، بأن تكون واحدة من اللاعبين الأساسيين في جميع مجالات استكشاف الفضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى