متعةالعتمة
ويل غيتر يأخذنا في عالم السدم المظلمة ليظهر لنا كيف نصور ونستكشف هذه الجواهر السماوية الخفية
بالنسبة إلى أولئك الذين يبحثون عن نشاط مختلف في عام 2020، ربما تكون هذه السنة هي الوقت المثالي لتحويل انتباهكم إلى تلك الأجسام المختبئة بين الظلال: إنها السدم المظلمة Dark nebulae. وتمتلئ سماء الليل بهذه المعالم الخافتة الرقيقة وتفرعاتها من السدم الخافتة. إنها تقدم أهدافاً رائعة جداً للتصوير الفلكي. فإذا كنت تحظى بسماء مظلمة، وبشيء من الإصرار، يمكنك أن ترصد بعضها حتى بالعدسة العينية للتلسكوب.
السدم المظلمة هي الوسط الذي تبدأ فيه معظم النجوم في سماء الليل حياتها، حيث تولد هذه في المناطق العميقة الباردة من هذه السحب الهائلة. وبالفعل، فإن مناطق نشوء النجوم الساطعة التي تتناثر في سماء الليل لا بد أنها كانت كلها سدماً مظلمة كئيبة في وقت ما من تاريخها.
يمتلئ قرص Disc مجرتنا بهذه الأشكال الشبحية المزركشة؛ فنراها في مناطق ‘أشرطة الغبار’ Dust lanes التي تتلوى عبر مجرة درب التبانة. وهناك الكثير من هذه الأشكال التي يمكن اكتشافها أيضاً بعيداً عن أشرطة الغبار الرئيسية هذه، وخاصة إذا كنتَ مجهزاً بكاميرا.
ولأنها لا تصدر ضوءاً مرئياً، فيمكن رؤية هذه السدم المظلمة عندما توجد أمام منطقة من حقول غنية بالنجوم خلفها، وهذا سبب يجعلها موضوعاً مغرياً للتصوير الفلكي، فنرى بعض أمثلتها -كما في السديم الأيقوني رأس الحصان Horsehead Nebula- شديدة التباين أمام مساحات من سدم الانبعاث الساطعة Emission nebulae.
أما بالنسبة إلى المصورين الفلكيين؛ فتقدم السدم المظلمة فرصة لتصوير معالم مثيرة، في أعماق السماء، داخل ما قد يبدو مثل منطقة فارغة تماماً في السماء بالنسبة إلى راصد عادي ينظر في خريطة نجمية، على الرغم من وجود بعض النجوم في أحدها.
وكذلك بعض أكثر صور السدم المظلمة تظهر روعةَ كيف تختبئ هذه الأجسام وتختفي في الظلام بالقرب من أهداف ساطعة أخرى. ويمكن رؤية أمثلة عن هذه المنظر في سدم سماء الشتاء، وتشمل سحابة الثور الجزيئية Taurus Molecular Cloud الرائعة قرب عنقودي القلائص Hyades والثريا Pleiades وأيضاً مجموعة السدم المظلمة في شمال غرب عنقود شجرة الميلاد Christmas Tree Cluster، أوNGC 2264. أما صيفاً، فإن المناطق المليئة بالسدم المظلمة المتاخمة لأشرطة الغبار في مجرة درب التبانة في الرامي Sagittarius، والترس Scutum، والحية Serpens، فهي تمثل أهدافاً غنية مشابهة للمصورين الذين يستخدمون عدسات المجال الواسع Wide-field lenses، أو تلسكوبات وكاميرات حساسة.
تفكير في أعماق السماء
وحتى لو لم تتضمن صورة ما أهدافاً ساطعة، فإن استهداف التفاصيل الخافتة لسدم مظلمة منعزلة قد يقدم وسيلة إلى تشكيل أصلي ومبتكر إذا كنت مصوراً خبيراً في أجسام أعماق السماء بعد إيجاد زاوية جديدة لعملك. وهذه الأجسام يمكن في رأي أحد المصورين الفلكيين على الأقل أن تعطي أيضاً الانطباع الأكثر تأثيراً بعمق الفضاء في الصور الفلكية ربما لأنها كثيراً ما تُرى بصورة ستائر حبيبية من نجوم بعيدة لا تحصى.
ولأنها خافتة جداً، فإن السدم المظلمة قد تكون بالغة التحدي التقني للتصوير، حتى بالنسبة إلى المصورين الفلكيين المعتادين على تصوير أجسام أعماق السماء ومعالجة صورها. وإذا كنت تستخدم التلسكوب أو عدسة كاميرا طويلة البعد البؤري Focal length كعدة تصوير أساسية، فأنت تحتاج إلى أن تلتقط عدداً كبيراً من التعريضات طويلة المدة Long exposures وعالية الجودة High-quality لكي ترى السديم بوضوح أمام خلفية معتمة تماماً في الفضاء. وإحدى نتائج هذه التعريضات الطويلة هي الحاجة الماسة إلى حامل تتبع Tracking mount جيد ومزود بمحرك.
غالباً ما تحتاج بيانات الصورة التي تظهر سدماً مظلمة عناية أكثر في مرحلة المعالجة، ذلك لأن الكثير من بنية هذه الأجسام يوجد في الأجزاء الأكثر ظلمة في الصورة. وعندما تجري عملية تحسين هذه المناطق يمكن لعيوب الصورة -مثل إعتام قوي في الزوايا Vignetting، أو الظلال المتبقية بفعل الغبار الموجود بين زجاج المعدات البصرية- أن تظهر بوضوح بالغ. لذا، فإن إستخدام ملف معايرة مسطح الحقل Flat field calibration file يمكنه إزالة هذه العيوب هو خطوة ضرورية بالنسبة إلى معظم صور السدم المظلمة الملتقطة بالتلسكوبات والعدسات الطويلة long-camera-lens.
وبينما نجد أنه يمكن التقاط الصور المقبولة، أو الجيدة، لمعظم أهداف أعماق السماء في ليال يكون صفاؤها أقل من الدرجة المثالية، إلا أن تحدياً آخر يتمثل بكون صور السدم المظلمة بالذات هي عرضة لضرر بفعل الضباب والسحب الرقيقة جداً. ويمكن لهذا الأمر أن يقلل من التباين Contrast في الصورة المعالجة الأخيرة، ما يجعل تصوير السدم الرقيقة أكثر صعوبة. كما قد يكون أيضاً مصدراً لتدرجات Distracting gradients مشوشة للرؤية يسببها انتشار التلوث الضوئي الذي يُخفي تفاصيل السحب الخافتة في الصورة. والخبر الجيد هو وجود عدد كبير من السدم المظلمة أثناء شهور فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، عندما تكون الليالي صافية غالباً والسماء نقية.
اعرف مستواك
على الرغم مما سبق، هناك فرص تُمكِّن للمصور الفلكي من تصوير هذه الأجرام الجميلة، أياً كان مستواه من الخبرة، وهناك أيضاً أهداف مناسبة للتصوير تحت سماوات مدن متوسطة التلوث الضوئي. بعض الأمثلة الجيدة عن السدم المظلمة التي تقع ضمن نطاق قدرة كاميرا رقمية DSLR عادية، ومجموعة عدسات، وحامل ثلاثي Tripod، قد نجدها في مناطق الغبار الرئيسية بمجرة درب التبانة، والتي يمكن رؤيتها في الصيف والخريف، وهناك معالم أكبر مثل سديم الغليون Pipe Nebula التي يمكن التقاطها حتى بتعريض لاتتجاوز مدته 30 ثانية، مع ضبط حساسية الكاميرا ISO على قيمة تتراوح بين متوسطة وعالية.
أما المصورون الذين يبحثون عن أهداف تجريبية أكثر، فقد يكون العثور على سدم مظلمة للتصوير أكثر تحدياً بحد ذاته. يمكنك دوماً البحث على الإنترنت عما يصوره المصورون الفلكيون الآخرون، ولكن إذا أردت المضي إلى أبعد مما هو مجرب، وترى ماذا يوجد أيضا هناك، فسيكون من الأفضل أن تبدأ ببرنامج قبة فلكية Planetarium program. وستعطيك معظم البرامج الجيدة مثل ستلاريوم Stellarium، وسكاي سفاري Sky Safari، وكارتس دو سيل Cartes du Ciel فهارس ومواقع للسدم المظلمة. ومثلا، فإن برنامج ستلاريوم المجاني، يستطيع أن يُظهِر أماكن السحب في فهارس بارنارد Barnard وليندس Lynds للسدم المظلمة، وهو يحتوي على عملية تسمح لك بوضع بيانات صورة من عمليات مسح مختلفة على سماء محددة. مثلاً: طبقة التركيب اللوني Planck R2 HFI (عملية مسح شاملة لمجرتنا قامت بها مهمة بلانك بترددات طيفية معينة) يمكن استعمالها لتتبع مواضع السدم المظلمة.
وبمعرفة هذه المعلومات ووجود الكثير من الأجرام في السماء، هناك سبب مقنع لتبقى في الظلام وترصد هذه السدم المظلمة والمذهلة.